[]البدعة : معناها وضوابطها
نص السؤال
نسمع كثيرا من الشباب يقولون عن كل شيء إنه بدعة، فكل ما لم يرد به دليل صحيح صريح من الكتاب أو السنة فهو من وجهة نظرهم بدعة، فأصبحت حياتنا لا تطاق وتصرفاتنا كلها محكوم عليها بالتبديع والتفسيق، فهل من ضابط لمفهوم البدعة ، وهل صحيح أن البدعة تدخل في كل شيء في حياتنا ؟؟
التاريخ
03/05/2006
المفتي
مجموعة من المفتين
نص الإجابة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فلا بد من توافر شرطين في البدعة المنهي عنها في الشرع، أن تكون حادثة لم تكن في الصدر الأول، وأن تناقض أصلا من أصول الإسلام، وما يفعله بعض الناس من توسيع معنى البدعة حتى يشمل كل حديث ويفتي بالتحريم غير صحيح، فالعلماء متفقون سلفا وخلفا على أن ثمة بدعة حسنة مأجور فاعلها، وبدعة ضلالة آثم فاعلها، والخلط بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للبدعة يؤدي إلى الوقوع في الخطأ .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
ليست البدعة يا أخي كل ما استحدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاق، فقد استحدث المسلمون أشياء كثيرة لم تكن في عهده صلى الله عليه وسلم، ولم تُعَدّ بدعة، مثل استحداث عثمان أذانًا آخر يوم الجمعة بالزوراء لما كثر الناس، واتسعت المدينة.ومثل استحداثهم العلوم المختلفة وتدريسها في المساجد، مثل: علم الفقه، وعلم أصول الفقه، وعلم النحو والصرف، وعلوم اللغة والبلاغة، وكلها علوم لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما اقتضاها التطور، وفرضتها الحاجة، ولم تخرج عن مقاصد الشريعة، بل هي لخدمتها وتدور حول محورها.
فما كان من الأعمال في إطار مقاصد الشريعة، لا يعد في البدعة المذمومة، وإن كانت صورته الجزئية لم تعهد في عهد النبوة، إذ لم تكن الحاجة إليه قائمة.
ومن ذلك: إلقاء بيان أو بلاغ للناس في قضية تهمهم بعد الفراغ من صلاة الجمعة، كما كان يفعل الإخوة في مساجد غزة وغيرها من مدن فلسطين في بداية حركة الانتفاضة الإسلامية، حيث كانت بلاغاتهم وبياناتهم ونداءاتهم تنطلق من بيوت الله، وتنادي بها المآذن، ولهذا سميت في أول الأمر: ثورة المساجد . أ. هـ
ويقول الأستاذ الدكتور على جمعة مفتي مصر:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، فالبدعة المنهي عنها في دين الله لها شرطان الأول: أن تكون حادثة لم تكن في الصدر الأول والثاني: أن تناقض أصلاًً من أصول الإسلام قرآنًاً أو حديثًاً نبويًّاً شريفًا،ً فإن كانت حادثة ولا تناقض أصلاًً فليست ببدعة؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من اتبعها إلى يوم الدين، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من اتبعها إلى يوم الدين"، ولقد جاء الإسلام بالسَّعَة في بابَي الأذكار والتلاوة والأدعية، فالسنة في هذا السعة وليس الضيق على ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الصدر الأول؛ ولذلك قال الشافعي في شأن تكبيرات العيد التي يكبرها الناس الآن وهي لم ترد عن رسول الله، فإن كَبَّر بما يكبر عليه الناس اليوم فحسن، أُخِذ ذلك من أن النبي كان يلبي في الحج بتلبيته المشهورة ويترك الناس يلبون بتلبية أخرى فلا ينكر عليهم، وكان أنس رضي الله عنه يقول: لبيك حقًّاً حقًّاً لبيك تعبدًاً ورقًّا،ً وجاء رجل من الصحابة فزاد في الذكر عند الرفع في الركوع من الصلاة، فزاد بعد ربنا ولك الحمد حمدًاً كثيرًًا طيبًاً طاهرًاً إلى ما قال، فابتدرتها الملائكة يرفعونها إلى السماء قبل إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن أمر الأذكار على السعة، ونص الخطيب الشربني في مغني المحتاج شرح المنهاج من كتب الشافعية أن كل صلاة لم تشرع فيها الجماعة جازت فيها الجماعة، وإنما أخذوا ذلك من تجميع عمر رضي الله عنه الناس على صلاة التراويح، ولم يكن أمر الأول على عهد رسول الله على ذلك فتتنبه على هذا المعنى. ويقول فضيلة الشيخ عطية صقررئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر : جاء في كتاب "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير في مادة "بدع " وفي حديث عمر رضى الله عنه في قيام رمضان : نعمت البدعة هذه : البدعة بدعتان بدعة هُدَى وبدعة ضلال ، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو في حَيز الذم والإنكار، وما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه الله أو رسوله فهو في حيز المدح وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة ، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثوابا فقال "من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها" وقال في ضده "ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم .ومن هذا النوع قول عمر رضى الله عنه "نعمت البدعة هذه " لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح سماها بدعة ومدحها ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يُسنَّها لهم وإنما صلاها ليالى ثم تركها ولم يحافظ عليها، ولا جمع الناس لها ، ولا كانت في زمن أبى بكر ، وإنما عمر رضى الله عنه جمع الناس عليها وندبهم إليها . فلهذا سماها بدعة وهى على الحقيقة سنة بقوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى" وقوله "اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر "كل محدثة بدعة" إنما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة . وأكثر ما يستعمل المبتدع عرفا في الذم ، انتهى ما قاله ابن الأثير .ثم أقول : إن تحديد المفاهيم عنصر هام من عناصر البحث في أي موضوع ، وبدونه تختلف الأحكام وتتضارب الأقوال ، ويحدث التفرق .وتحديد مفهوم البدعة التي هي ضلالة في النار فيه صعوبة. ومن ركام التعريفات التي ملئت بها الكتب أستطيع أن أقول: إن للعلماء في تعريف البدعة منهجين ، أولهما لغوى عام ، والآخر اصطلاحي خاص .ا -فأصحاب المنهج الأول نظروا إلى مادة "البدعة " التي تدل على اختراع على غير مثال سبق فعرفوها بأنها ما أحدث بعد النبى صلى الله عليه وسلم وبعد القرون المشهود لها بالخير .وهذا التعريف يدخل فيه ما كان خيرا وما كان شرا ، وما كان عبادة وما كان غير عبادة ، والذي حملهم على هذا التعريف الشامل ورود لفظ البدعة مرة محمولا عليه الذم ، ومرة محمولا عليه المدح ، وبهذا عرف أن البدعة قد تكون ممدوحة وقد تكون مذمومة ، قال الشافعى رضي الله عنه : المحدثات من الأمور ضربان ، أحدهما ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا ، فهذه البدعة الضلالة ، والثاني ما أحدث من الخير وهذه محدثة غير مذمومة.وعلى هذه الطريقة في تعريف البدعة وشمولها للممدوح والمذموم جرى عز الدين بن عبد السلام ، فقسم البدعة إلى واجبة كوضع العلوم العربية وتعليمها ، وإلى مندوبة كإقامة المدارس ، ومحرمة كتلحين القرآن بما يغير ألفاظه عن الوضع العربي ، ومكروهة كتزويق المساجد ومباحة كوضع الأطعمة ألوانا على المائدة.2-وأصحاب المنهج الثاني عرفوا البدعة بأنها الطريقة المخترعة على أنها من الدين وليست من الدين في شيء ، أو بأنها طريقة في الدين مخترعة تضاهى الطريقة الشرعية ويقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية ، ويدخل فيها العبادات وغيرها وقصرها بعضهم على العبادات ، وعلى هذا التعريف تكون البدعة مذمومة على كل حال ولا يدخل في تقسيمها واجب ولا مندوب ولا مباح . وعلى هذا المعنى يحمل الحديث "كل بدعة ضلالة" ويحمل قول مالك رضى اللّه عنه : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة ، لأن اللّه قال {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة : 3 ، وأصحاب هذا المنهج يحملون قول عمر في صلاة التراويح على المعنى اللغوى .إن اسم البدعة ظهر بوضوح في زحمة الخلافات الفكرية ، التي من أجلها ألف أبو الحسن الأشعري المتوفي سنة 304 هـ كتابه "اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع " ثم ظهرت مؤلفات في البدع المتعلقة بالفروع وأن الإمام الغزالى في الإحياء "ج 1 ص 248" قال : كم من محدث حسن كما قيل في إقامة الجماعات في التراويح إنها من محدثات عمر رضى الله عنه وإنها بدعة حسنة ، وإنما البدعة المذمومة ما تصادم السنة القديمة أو ما يكاد يفضى إلى تغييرها ، وأن البدعة المذمومة ما كانت في الدين ، أما أمور الدنيا فالناس أعلم بشئونها ، مع صعوبة الفصل بين أمور الدين وأمور الدنيا ، لأن دين الإسلام نظام شامل ، الأمر الذى جعل بعض العلماء يقصرون البدعة على العبادي دون العادي ، وعممها البعض الآخر .و نرى أن البدعة تكون في العقيدة وفي العبادة وفي المعاملات والأخلاق ، وأن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة الحسنة ، هل تعد كلها سنة تتبع وجوبا وندبا، أو لا تعد كلها من هذا القبيل ؟ وأن ما تركه هل نتأسى به فيه أو لا نتأسى ؟؟ كالأذان الأول لصلاة الجمعة وزيادة درجات المنبر على ثلاث درجات ، والركعتين قبل صلاة الجمعة ، وقراءة سورة في المسجد قبل صلاة الجمعة بصوت مرتفع ،ورفع المؤذن صوته بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الأذان ، ومصافحة المصلين بعضهم بعضا عقب الخروج من الصلاة ، وقول سيدنا محمد في الأذان والتشهد في الصلاة ، وحلق اللحية .
ونؤكد على أن تقصر البدعة على ما يتصل بالدين ، وتترك أمور الدنيا لمواكبة العصر في التطور، وعلى أن العبرة بالمسميات لا بالأسماء ، كجواز الاحتفال بيوم المولد وعدم جوازه ، وعلى تغيير المنكر إن أجمع على أنه منكر يكون بالحكمة والموعظة الحسنة ، وما يكون فيه اختلاف لا ينبغى أن يكون التخاصم والتنازع من أجله ، وأن من انخدع برأيه وظن أو اعتقد أنه هو وحده الناجى وأن غيره هالك فهو أول الهالكين كما في حديث رواه مسلمانتهى كلام الشيخ
ويمكنك مطالعة هذه الفتاوى
والله أعلم